في البدء /د. خلف المنشدي
تبدو السرية المطلقة التي يفرضها المفاوضون العراقيون والأمريكان حول ما يجري من نقاشات بشأن الاتفاقية العراقية الأمريكية مثيرة للشكوك أكثر من أي أمر آخر في الاتفاقية نفسها إذ ان هذه المبالغة في إحاطة هذه المفاوضات بصمت مطبق من كلا الطرفين يجعلنا نتساءل عن حقيقة ما يدبر للشعب العراقي إذ يجري التفاوض من وراء ظهر هذا الشعب على (فرمان) انتداب طويل الأمد قد يحول العراق إلى مجرد قاعدة متقدمة للجيوش الأمريكية في الشرق العربي كما يرهن ثروات النفط والغاز العراقي لمشيئة هذه القوة الاستعمارية دون الأخذ بنظر الاعتبار تأثيرات هذا الوجود الدائم على مستقبل المنطقة ككل ومستقبل الشعب العراقي وحريته ووحدة أراضيه، وان عملية المجاملة غير المنطقية التي يبديها بعض ساسة العراق أمام هذا المطلب الأمريكي الخطير ستكون سببا في تقديم العراق جائزة للاحتلال وهدية مقابل ما قدمه ويقدمه من هدايا لبعض القوى العراقية، وما التعلل بعرض الاتفاق على البرلمان العراقي قبل إقراره إلا خدعة أخرى ستؤدي دون شك لإقرار الاتفاقية بكل سهولة نتيجة تركيبة البرلمان العراقي الحالي الذي للأسف لا يحل ولا يربط وقد سلم أمره لرؤساء الكتل السياسية كي يقررون عنه خارج إطار البرلمان وعلى هذا الأساس يمكن إدراك مخاطر عرض اتفاقية بهذه الخطورة على برلمان من هذا النوع.
ان هذه الاتفاقية بالإضافة إلى قانون النفط والغاز صناعة أمريكية جمهورية خالصة تهدف لتعويض الاحتلال عن تلك الأعمال المشينة التي ارتكبها في العراق حتى اليوم ويراد بها إنقاذ ماء وجه بوش وإدارته الجمهورية وتمكين المرشح الجمهوري ماكين من الوصول للرئاسة، إذ ان الحزب الجمهوري يريد ان يبرهن للشعب الأمريكي بان ما قامت به إدارة بوش في العراق لم يكن بدون معنى وان هدف تلك المغامرة قد تحقق بالاستيلاء على ارض العراق ونفط العراق وشعب العراق عن طريق قوانين ومعاهدات كتبت في الولايات المتحدة واقرها ساسة العراق وبرلمان العراق وبالتالي اكتسبت صفتها القانونية عن هذا الطريق.
لا تملك السلطة العراقية اليوم ولا حتى البرلمان العراقي حق الموافقة على معاهدة تقيد أي سلطة مقبلة وتقيد أي برلمان مقبل وتفرض الطاعة للاستعمار الأمريكي على الشعب العراقي وأي استفتاء يمكن ان يجري عليها يجب ان يتم في ظروف مختلفة عن ظروف العراق الحالية حيث تستغل السياسة الأمريكية هذه الظروف لمصلحتها وتستعجل إقرار معاهدة (بورتسموث) الجديدة مستغلة حالة الشقاق والانشقاق والضعف الذى يعيشه العراق وتعيشه القوى الوطنية في البلاد وهذا العامل يلعب دورا مواتيا لصالح الاتفاقية والوجود الأمريكي في البلاد لكنه لن يدوم للأبد حيث ستتحول أية موافقة على هذه الاتفاقية إلى مجرد مأساة تضاف لمآسي الشعب العراقي الحالية والمستقبلية.
ان الخطوط الحمر التي تحدث عنها بعض ساسة العراق الحاليين هي الاتفاقية نفسها، الاتفاقية برمتها هي خط احمر يجب على القوى السياسية في العراق عدم تخطيه أو تجاوزه لأنهم بذلك يرهنون العراق وشعب العراق لإرادة المستعمرين الأجانب، وان الاعتراض يجب ان لا يكون فقط على بضعة فقرات بها وإنما على كامل الاتفاقية لأنها لا تخدم مصالح الشعب العراقي وإنما مصالح الولايات المتحدة وإستراتيجيتها العسكرية والسياسية في المنطقة وكذلك شركاتها النفطية .
ان التعلل بمسألة تخلف العراق وانه بحاجة للولايات المتحدة من اجل تطويره أو التعلل بضرورة استمرار الوجود الأمريكي لحماية العراق من الجيران أو بعض الجيران مبررات لا أساس لها ولا تنطبق على الواقع لان غنى العراق كفيل بتطويره وان أهل العراق هم الذين حموا هذه البلاد عبر العصور ودافعوا عنها وهم الذين سوف يحمونه ويدافعون عنه ان استخدمت في العراق سياسة وطنية حقيقية لا تفرق بين العراقيين على أساس الطائفة أو العرق أو الدين أو القبيلة .
ان هذه الاتفاقية لخطورتها الشديدة يجري التكتم على سير المفاوضات بشأنها وكأن الشعب العراقي لا علاقة له بالأمر ويعتقد ربما من يقوم بهذا العمل ان الشعب قد كلفه فعلا حق تأجير ارض العراق ورهن مستقبله لمن يشاء ، وهذه واحدة من اخطر نتائج الانتخابات العامة الأخيرة
واليكم الرابط
http://www.almannarah.com/NewsDetails.aspx?NewsID=956&CatID=3
الأربعاء أبريل 15, 2009 5:50 pm